Friday 17 August 2012

لماذا الحوار الوطني ؟ وما هي أهدافه؟

لماذا الحوار الوطني؟ وما هي أهدافه؟
(1)
بقلم السفير مروان عبدالله عبدالوهاب نعمان
مقدمة
يعيش اليمن منذ اندلاع ثورة الشباب السلمية مطلع العام الماضي 2011، حالة انتقال حقيقي من تاريخ إلى تاريخ. ومن المهم إدراك أن التدخلات الاقليمية والدولية لعبت دوراً حاسماً في تجنيب اليمن محاذير الإنزلاق نحو حرب أهلية لايستطيع أحد أن يتخيل عواقبها.
وقد استطاعت كل أطراف العمل السياسي وكل القوى الاجتماعية والاقتصادية وفي المقدمة منها شباب الثورة السلمية الشبابية في كل الساحات في كل أنحاء البلاد، منذ جمعة الكرامة في 18 مارس 2011، التي كانت اللحظة التاريخية لسقوط نظام حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، التنازل والقبول بالتسوية السياسية التي دخلت فيها اليمن رغم معارضة شرائح عديدة في المجتمع اليمني لها.
وترتكز هذه "التسوية السياسية" على عدد من الوثائق التي يمكن اعتبارها بمثابة مرجعيات تعلو الدستور اليمني والقوانين اليمنية، وهي:
·     [1] وبيانات[2] مجلس الأمن الدولي وتحديداً قرار المجلس رقم 2014 (2011) الصادر في 21 أكتوبر [3]2011،
·     مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي الموقعة في الرياض في 23 نوفمبر 2011
·     قرارات الألية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية الموقعة في الرياض في نفس اليوم
·     قراره رقم 2051 (2012) الصادر في 12 يونيو [4]2012، وبيانات الأمين العام للأمم المتحدة[5]،
وقد تم توقيع كافة الأطراف اليمنية على مبادرة مجلس التعاون الخليجي والآلية التنفيذية في الرياض في 23 نوفمبر 2011 برعاية من المملكة العربية السعودية ومشاركة أقليمية واسعة، بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014 (2011)، الذي يشكل توجّهاً جديداً في قواعد القانون الدولي المتعلقة بسيادة الدول، يفرض مبدأ جديداً يضع قيوداً على شرعية حكومة دولة عضو، عندما تشكل انتهاكاتها لحقوق الانسان تهديداً للأمن والسلم الدوليين، حيث تضمن القرار أمراً لرئيس بلدٍ معترف به دولياً ان يستقيل من منصبه، وفضلاً عن ذلك، فرض خارطة طريق للفترة الانتقالية في اليمن، وجاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2051 (2012)، ليؤكد تلك الخارطة، ويحذر باستخدام عقوبات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حق أي طرف يعترض التسوية السلمية واستكمال عملية انتقال السلطة سلمياً ويعيق قرارات رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني.
والأهم من ذلك ان قراري مجلس الأمن الدولي والمبادرة الخليجية والآلية التنفيذية لها، تشكل في مجموعها سابقة جديدة في القانون الدولي، حيث تم، من خلال ذلك، إعلاناً دستورياً ينظم، وبالتفصيل، مستلزمات الفترة الانتقالية في اليمن لتأسيس نظام سياسي ديمقراطي جديد في اليمن، يقوم على مبادئ دولية تقرها عهود واتفاقيات دولية، وتحديداً الاعلان العالمي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني والقانون الجنائي الدولي. بل ان الآلية التنفيذية في الجزء الأول – المقدمة - في البند ٤ ان يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها نصت صراحةً انها تحل محل الدستور والقوانين فيما يتعلق بتنفيذها خلال مرحلتي فترة العامين الانتقالية التي تنتهي بالانتخابات البرلمانية والرئاسية في 25 فبراير 2014 وهي الفترة التي ستظل اليمن خلالها تحت إشراف مجلس الأمن الدولي وكل المجتمع الدولي.
وعلى الرغم من كل المعوقات التي واجهت تنفيذ عملية الانتقال السلمي للسلطة وتنفيذ مهام المرحلة الأولى، إلاّ أنه تم انجاز معظم متطلباتها[6]، إلى جانب تطهير محافظتي أبين وشبوة من عناصر ما يسمى "أنصار الشريعة"، وتشهد اليمن حالياً المرحلة الثانية من العملية الانتقالية للسلطة التي يجب، كما يشدد على ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2015 (2012)، ان تنتهي في فبراير 2014 بانتخابات رئاسية وبرلمانية بموجب دستور جديد وقانون انتخابات جديد يؤسسان على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي لا يستثني أي طرف في اليمن.
وينبغي التنويه إلى أن الآلية التنفيذية عالجت مسألة لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار في مادتين أدت إلى لغط في فهم مقاصدهما بين المهام المطلوب من اللجنة إنجازها والأوقات والأزمنة المرتبطة بذلك، لاسيما ما يتعلق بقيامها بمهمتها "خلال مرحلتي الانتقال بتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية في إطار سيادة القانون"، مما أدى إلى فهم خاطئ بأن تحقيق التكامل في القوات المسلحة مسألة غير ملحة وأنها تمتد إلى نهاية الفترة الانتقالية، ما أدى إلى حدوث تمرد على قرارات بإجراء تعيينات عسكرية ومدنية أصدرها رئيس الجمهورية بصفته تلك وبصفته أيضاً رئيساً للجنة العسكرية، في توجهاتها لإنهاء الإنفسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه. ولتفادي تلك المعوقات اعتبر مجلس الأمن في قراره رقم 2051 (2012) بأن تلك الأعمال، والهجمات ضد البنى التحيتية، تستهدف "تقويض عملية الانتقال السياسي" وتشكل أعاقة لتنفيذ المراسيم الرئاسية، وهدد بأنه على استعداد للنظر "في اتخاذ مزيد من تدابير، بما في ذلك اتخاذ تدابير بموجب المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة إذا استمرت هذه الأعمال،". كما أن القرار أكد على انه ينبغي في المرحلة الثانية "إعادة هيكلة قوات الأمن والقوات في إطار هيكل قيادي وطني موحد وذي طابع مهني وإنهاء جميع النزاعات المسلحة. وقد أفاد القرار كثيراً في إنهاء التوتر العسكري والسياسي والاستمرار في مهام المرحلة الثانية، وأهمها التحضير لعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
وفي هذا الصدد، ينبغي الإشارة إلى أن الحوار الوطني الشامل هو الذي سيمكن اليمنيين، لأول مرة في تاريخ اليمن الحديث، من تحقيق طلعاتهم التي عبرت عنها الثورة الشبابية السلمية، من خلال عملية انتقال سياسية شاملة يقودها اليمنيون وتستجيب لمطالب الشعب اليمني وتطلعاته المشروعة إلى التغيير، والمتمثلة في بناء دولة يمنية جديدة تقوم على سيادة الدستور والقانون ومساواة جميع اليمنيين في ظل سيادة القانون والمواطنة المتساوية، وتوزيع حقيقي للسلطة والثروة، والتخلص من الموروثات التي سادت على مايزيد عن خمسين عاماً من التفرد بالسلطى والاستئثار بموارد ومقدرات الشعب والوطن وكل ممارسات الاقصاء والحرمان والانتقاص في كافة مؤسسات الحكم والدولة.
وتشهد اليمن حالياً المرحلة الثانية من العملية الانتقالية للسلطة التي يجب، كما يشدد على ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2015 (2012)، ان تنتهي في فبراير 2014 بانتخابات رئاسية وبرلمانية بموجب دستور جديد وقانون انتخابات جديد يؤسسان على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي لا يستثني أي طرف في اليمن.
الحوار الوطني الشامل
تم تناول الحوار الوطني الشامل، في الجزء الرابع من الآلية التنفيذية الخاص بالمرحلة الثانية من نقل السلطة، وتشمل هذه المهام ما يلي:
(أ‌) ضمان انعقاد مؤتمر الحوار الوطني وتشكيل لجنة إعداد وتحضير للمؤتمر ولجنة التفسير والهيئات الاخرى المنشأة بموجب هذه الآلية.
(ب‌) تأسيس عملية للاصلاح الدستوري تعالج هيكل الدولة والنظام السياسي وعرض الدستور بعد تعديلة على الشعب اليمني في استفتاء.
(ج‌) اصلاح النظام الانتخابي.
(د) إجراء انتخابات مجلس النواب ورئيس الجمهورية وفقاً للدستور الجديد.

مهام مؤتمر الحوار الوطني الشامل واختصاصاته
فوضت الآلية التنفيذية في المادة 19 المؤتمر بالبحث في ما يلي:
(أ‌) عملية صياغة الدستور، بما في ذلك انشاء لجنة لصياغة الدستور وتحديد عدد أعضائها.
(ب‌) الاصلاح الدستوري ومعالجة هيكل الدولة والنظام السياسي واقتراح التعديلات الدستورية إلى الشعب اليمني للاستفتاء عليها.
(ت‌) يقف الحوار امام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وآمنه.
(ث‌) النظر في القضايا المختلفة ذات البعد الوطني ومن ضمنها أسباب التوتر في صعدة.
(ج‌) اتخاذ خطوات للمضي قدماً نحو بناء نظام ديمقراطي كامل، بما في ذلك اصلاح الخدمة المدنية والقضاء والادارة المحلية.
(ح‌) اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق المصالح الوطنية والعدالة الانتقالية، والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الانسان والقانون الانساني مستقبلاً.
(خ‌) اتخاذ الوسائل القانونية وغيرها من الوسائل التي من شأنها تعزيز حماية الفئات الضعيفة وحقوقها، بما في ذلك الاطفال والنهوض بالمرأة.
(د‌) الاسهام في تحديد أولويات برامج التعمير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة لتوفير فرص عمل وخدمات اقتصادية واجتماعية وثقافية أفضل للجميع.
وانطلاقاً بالحوار الوطني الشامل أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 30 لسنة 2012 بتاريخ 14 يوليو 2012 بإنشاء "اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل"، وتحديد مهامها واختصاصاتها. وتشكلت من 25 شخصية. واعتمد القرار في ديباجته على تلك المؤشرات في قرار مجلس الأمن الأخير حيث نص إلى أنه يهدف إلى "ضمان إنعقاد مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة كل الاطراف وبصورة تتسم بالمشاركة الكاملة وبالشفافية وتجعل نتائجه جادة وحقيقية من أجل الإسهام فى إرساء السلام والديمقراطية التعددية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد"، وأنه يستهدف توفير المناخ المناسب لإنعقاد مؤتمر الحوار الوطني مع كل الأطراف المعنية، سعياً لبناء الثقة فيما بين المشاركين في عملية الحوار الوطني الشامل، وأكد القرار بأن صلاحيات اللجنة الفنية هي صلاحية فنية تتعلق بالتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، ولن تستبق أو تتحكم مسبقا بأي شكل من الأشكال بمضمون اعمال مؤتمر الحوار أو نتائجه. وطالب القرار اللجنة الفنية القيام بتنفيذ المهام  المناطة به وإصدار تقرير نهائى بحلول 30 سبتمبر 2012. وسيصدر رئيس الجمهورية قرارات بالاجراءات التي اتخذتها اللجنة الفنية بشأن القضايا المكلفة بها بعد ستة اسابيع من صدور التقرير النهائي للجنة بحلول 15 نوفمبر2012.
ووضع القرار الجمهوري المبادئ الحوهرية التي تعتمد في إدارة مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وهي:
‌أ. التمثيل الشامل لكل الأطراف، بحيث يوفّر مؤتمر الحوار الوطنى التمثيل الملائم للمجموعات المشاركة التى حددتها الآلية التنفيذية لمبادرة مجلس التعاون الخليجي، ويجب تمثيل النساء بالكامل فى كل وفود المجموعات المشاركة، كما يتعين توفير التمثيل الكافى لكل المناطق والمجموعات المعنية الأخرى فى وفود كل المجموعات المشاركة.
‌ب. المشاركة الفعلية، بحيث تشارك كل المجموعات المشاركة بشكل كامل في الاعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطنى الشامل.
د. النتائج الحقيقية، على الحكومة وكل الأطراف تنفيذ نتائج مؤتمر الحوار الوطنى الشامل. وتتمتع بالحق فى المشاركة الكاملة فى مؤتمر الحوار الوطنى الشامل بدون شروط مسبقة كما هو محدد في هذا القرار.
‌ج. الشفافية، بحيث تكون كل وثائق مداولات مؤتمر الحوار الوطني علنية و تتوفر لكل الأطراف فور صدورها، ويتم تشجيع وتيسير المشاركة العامة طوال عملية الحوار.
يتبع













[1]   صدر عن مجلس الأمن الدولي حتى الأن القراران الوارد ذكرهما أعلاه.
[2]   صدر عن مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في اليمن منذ بداية الثورة في مطلع 2011 حتى الآن بياناته الصحفية المؤرخة ٢٤ سبتمبر ٢٠١١ ، و ٩ أغسطس، ٢٠١١ ، و ٢٤ يونيه ٢٠١١.
[3]   على الرابط التالي http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N11/559/59/PDF/N1155959.pdf?OpenElement
[4]   على الرابط التالي http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N12/370/80/PDF/N1237080.pdf?OpenElement
[5]   صدر بيان الأمين العام المؤرخ ٢٣ سبتمبر ٢٠١١ الذي يحث فيه جميع الأطراف على التعاون البناء للتوصل إلى حل سلمي في اليمن. وصدر للأمين العام بياناً أخر بتاريخ ٢١ مايو ٢٠١٢ الذي شجّع فيه جميع الأطراف على القيام بدور كامل وبناء في تنفيذ اتفاق الانتقال السياسي في اليمن وفقا لقرار مجلس الأمن رقم ٢٠١٤
[6]   أكد السيد جمال بن عمر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحد في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن يوم 4 يونيو 2012، بأن اليمن قد قطع شوطا كبيرا في تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن 2014. حيث تم تشكيلُ حكومة وحدة وطنية وبدء إعادة هيكلة القوات المسلحة وإجراء إنتخابات رئاسية بتأييد شعبي واسع في فبراير 2012، انتقالا سلميا للسلطة وشكَّل دليلا على النجاح في إنجاز الفصل الأول من المرحلة الانتقالية في اليمن، وأن تلك الخطوات، إلى جانب بدء التحضيرات الأولية التي جرى القيام بها مؤخرا لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، إلى أن العملية الانتقالية في اليمن لا تزال على المسار الصحيح إلى حد بعيد .

No comments:

Post a Comment