Wednesday 6 March 2013

(2) المأزق اليمني .. "مأزق الحرية" ‏أزمة الحكام وأزمة الأحزاب ‏هموم الانتقال من فكر "شرعية القوة" إلى فكر "قوة الشرعية"

(2)
مدخل
"ونحن نتقدم في اتجاه الحوار الوطني الشامل، لعل من المفيد أن يعرف شباب الثورة اليمنية الذين يقودون التغيير والتحول الذي عجزنا، قادة وساسة وأحزاب ودبلوماسين وعسكرين ومدنيين من كل الأطياف، وجاهات ومشائخ، على مدى ما يزيد عن خمسين عاماً منذ انطلاق الثورة اليمنية في سبتمبر 1962 حتى اليوم.
ونحن في هذا الجهد المتواضع، سننقل الجيل الجديد، ليعيش مآسي الماضي الذي صنعها الساسة الذين يتصدون اليوم ليقفزوا إلى المقدمة ليقودوا ثورة الشباب السلمية، ويفرضون أنفسهم أوصياء على الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب، في حين أنهم هم من صنعوا الواقع الظالم الذي ثار الشباب عليه لتغييره ويبنوا لأنفسهم اليمن الذي يريدونه هم، دوت وصاية من أحد!!! فقد شب الشعب عن الطوق!!"
ولفائدة الأجيال الشابة، أعيد عنا نشر الموضوع الذي سبق أن نشرها لي الراحل الكبير هشام باشراحيل في صحيفة "الأيام" على ثلاث حلقات في الأعداد ١٦٧ ‏و١٦٨ و١٦٩ ‏إعتبارا من 10 ‏فبراير1994 ‏ولثلاثة أسابيع)
بقلم: مروان عبدالله عبدالوهاب نعمان
(الحلقة الثانية)
موروث الوحدة والمتغيرات
‏ورثت دولة الوحدة قيامها على أساس استمرار نفس حكام الماضي في السلطة، وميراث تاريخ التجربتين في السلطة. ففي الشمال كان الوضع شمولياً مرتكزاً على شخص الرئيس على عبدالله صالح الذي تولى الحكم عام 1978، وذلك في أعقاب إغتيال الرئيس أحمد الغشمي بعد مايقل عن ثمانية أشهر من اغتيال سلفة الرئيس إبراهيم الحمدي. وفي محاولتة تأمين بقائه في الحكم أحاط الرئيس علي عبدالله صالح نفسه بترتيبات أمنية وعسكرية وبمجموعة من الأفراد تحولت مع المدى إلى مراكز قوى متمكنة شكلة سياجاً حول الرئيس نفسه. وقد تم استنزاف كل موارد شمال الوطن التي توفرت له في نهاية السبعينات، في ترضية المتطلبات الأمنية والعسكرية لنظام الحكم، وفي تلبية نهم مراكز القوى التي استباحت المال العام وعبثت بالبلاد والعباد، ودخل النظام في حرب مع الجنوب عام 1989، إنتهت بكثير من ‏الضغوط الولية باتقاق الكويت الذي دعى إلى استكمال العمل تمهيداُ لتحقيق الوحدة اليمنية في غضون ستة أشهر، ووفقاً لما نصت علية إتقاقية طرابلس وبيان القاهرة الذين تم التوصل لهما بعد الحرب الأولى بيين الشمال والجنوب في عام 1972. وبدأ ‏النظامان يعملان، كل ضمن استراتيجة خاصة، في المماطلة والتسويف على الرغم تمكنهما من إنجاز مشروع دستور دولة الوحدة في وقت مبكر من الثمانينيات.
‏وفي ظل انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة ومحاربة تواجد الأحزاب السياسية وقمعها، سمح الرئيس علي عبدالله صالح بحوار وطني منذ مطلع الثمانينات بين كافة أطراف العمل السياسي في شمال الوطن بقصد الوصول إلى مشروع ميثاق وطني للعمل السياسي في البلاد تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام، الذي أقر ذلك مشروع الميثاق، وذلك بغية احتواء العمل السياسي تحت مظلة الحكم وبقصد إصباغ طابع ديمقراطي عليه. وقام المؤتمر الشعبي العام كإطار عمل جبهوي طوال المدة التي سبقت الوحدة في ظل دستور يحرم الحزبية والتعددية السياسية. وتمكن النظام من احتواء كثير من عناصر العمل السياسي عبر المغريات المادية والمعنوية بينما ظلت العناصر العقائية من كل الاتجاهات مرتبطة بأواصرها التنظيمية والحزبية.
‏وطوال الفترة التي سبقت الوحدة كان الأصرار كبيراً من جانب الرئيس علي عبدالله صالح على رفض إضفاء صفة الحزب على "المؤتمر الشعبي العام"، وهو الاصرار النابع في الأساس من رفض الاعتراف بالحزبية كوسيلة للاداء السياسي. وجاءت الوحدة في ظل ذلك الاصرار الذي كان يعبر عنه الرئيس صالح دائماً إلى ماقبل الوحدة، بأن الحزبية عمالة. وبعد الوحدة والسماح بالتعددية السياسية غادر المؤتمر كل العناصر العقائدية من الأحزاب المعارضة، في حين بقية العناصر التي استطاع الرئيس صالح التأثير عليها من الأحزاب الأخرى، أو التي فضلت الاستمرار خدمة لأحزابه، والى جانب ذلك بقية أيضا القليل من العناصر إما من العناصر التنكوقراطية التي لاترتبط بأية أحزاب، وإما من تلك التي عرفت بإرتباطها بالسلطة أوبمغرياتها المادية والمعنوية، بالاضافة إلى عناصر الفساد والعبث بالمال العام التي سمح لها عن وعي بالتلوث كسباً لولائها، وعناصر الاستخبارات والظلم والقهر. وهكذا جاعت تشكيلة ائؤتمر الشعبي العام بعد الوحدة خليطاً غير متجانس.
في ذلك الأثناء نما التيار الاسلامي، الذي ضم مشائخ شمال الشمال وحركة الأخوان المسلمين، وامتدادات الحركة الرهابية في اليمن ومعها التيار الأصولي والذي ارتبط بحركة المجاهدين الأفغان، من خلال استغلال عدد من العوامل منها دعم التظام له في مقابل التيارات اليسارية الشمالية المرتبطة بنظام الحكم في الجنوب المدعوم من الاتحاد السوفييتي، ومن خلال الهيئة العامة للمعاهد العلمية التي سمح لها بالانتشار بحجة تدريس مناهج إسلامية خاصة لاترتبط بنظام التعليم العام، ومن خلال الحملة الدولية المنظمة لدعم مجاهدي أفغانستان في مواجهة الوجود السوفييتي. وتمكن هذا التيار من التمويل من عدد من المصادر من الحكومة في الداخل ومن موارد أخرى خارجية. وهكذا، وفي قمة مناخ الحرب الباردة، نما هذا التيار مثل غيره من التيارات الإسلامية التي وجدت في عدد من الدول التي تواجه تحديات مدعومة بشكل من الاتحاد السوفييتي. وظل التيار الإسلامي ينمو ويترعرع، بينما كافة أطراف العمل السياسي تحت حصار المطاردة والتجريم.
‏وفي ظل هذه المتغيرات، كان المسيطر على زمام الأمور في البلاد عناصر من شمال الشمال، سواءأ في داخل المؤتمر الشعبي العام، أو في التجمع اليمني للإصلاح، على الرغم من عدم خلو أيهما من بعض القيادات من جنوب الشمال ‏بالطبع. ويعود هذا الوضع إلى مرحلة مبكرة من الصراع بعد ثورة ٢٩ ‏سبتمبر١٩٦٢، وعلى وجه التحديد منذ أحداث أغسطس الشهيرة عام 1968، ‏بعد أشهر من فك حصار صنعاء، الذين نال شرف الانتصار فيه لترسيخ النظام الجمهوي قيادات معظمها من أبناء مناطق جنوب الشمال، في حين تخلت الغالبية من القيادات من أبناء شمال الشمال عن الدفاع عن صنعاء، بل وفر العديد منهم. وفي أعقاب أحداث أغسطس تلك بدأت عملية منظمة من أجل التخلص من أبناء جنوب الشمال من القوات المسلحة، وبالذات من المواقع القيادية في القوات المسلحة والأمن، إلاّ فيما ندر من ‏المواقع غير الفاعلة. وحتى اليوم فإن الغالبية الساحقة من قيادات القوات المسلحة هي من أبنا. شمال الشمال، وتحديداً من قبائل حاشد. هذا في الجانب العسكري.
‏أما في الجانب المدني فإن أبناء المناطق الشافعية لم يحظوا إلاّ بأتفه المواقع القيادية داخل الحكومة الشمالية السابقة وفي جهازها الاداري ولم يكن لهم سوى حقائباً وزارية هامشية لاتصل في عدد ها إلى عدد أصابع اليد الواحدة.
‏وهكذا جاءت الوحدة والغبن واضح وجلي في حق المناطق الشافعية، سواءاً في المناطق الجبلية منها أو في السواحل التهامية الغنية بمواردها الزراعية والمعدنية والبشرية. في حين الغلبة لأبناء المناطق الزيدية الجبلية الصعبة الناردة في مواردها. وعلى الرغم من أن التعدادات السكانية تظهر أن سكان الشمال سابقا مناصفة بينهم، إلأ أنه أمر مشكوك فيه.
‏وقد تصادف أن الحركات السياسية الفاعلة في التاريخ السياسي اليمني كانت معظم قياداتها على الدوام ن أبناء المناطق الشائعية، من مختلف التيارات والأحزاب السياسية والحركات الاصلاحية، وقد ضُربت معظم تلك الأحزاب والتيارات من قبل السلطة التي يهيمن عليها أبناء المناطق الزيدية على الدوام.
‏فجاءت الوحدة ومعظم تشكيلات المعارضة السياسية في غالبيتها في شمال الشمال من أبناء المناطق الشافعية محملةً بكل أسباب القهر والظلم والاضطهاد والمطاردة.
في المقابل، وجد الحزب الاشتراكي اليمني، بعد تاريخه المليئ بالمأسي فرصة تاريخية لتجنب مصير كل الأحزاب التي ارتبطت بموسكو والماركسية اللينية في كثير من بقاع الأرض، فقفز على حصان الوحدة لتجنب ذلك المصير، ولكسب نصر تاريخي ‏‏في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية. غر أنه كان لزاماً عليه إعادة تكييف نفسه مع معطيات الديمقراطية والتعددية ومع التحولات العالمية ليتحول بين عشية وضحاها من حزب ريادي شمولي إلى حزبٍ الديمقراطيةُ مطيتةُ، وحرية الانسان وحقوقه هدفه وغايتة. واثبت ا لحزب ا لاشترا كي قدرة فائقة في تحمل كل عناء هذا التحول ومارا فقه ‏من اعتداءات من بعض معين من أطراف العمل السياسي، تجلت في اغتيالات ومحاولات اغتيال العديد من قياداته وكثير من أعمال العنف والارهاب السياسي، قدرة دلت على طول خبرة حنكة سياسيتين ظهرت أكثر ماظهرت في توزيع أدوار ‏قياداته المتقن بغية إحباط كل محاولات شق صفوفة وشرذمته.
‏وقد ورث الحزب الاشتراكي اليمني من حكم الجنوب الكثير من الدماء ومصادرة أموال الناس ومطاردة مناهضية وتصفيتهم وملاحقتهم وأبنائهم، وتاريخ طويل من النكبات والمآسي، كان آخرها مأساة 13 يناير 1989، ‏التي أودت بحياة مايزيد عن خمسة عشرة ألفا من المواطنين الأبرياء.
‏والكثير من قيادات الحزب الاشتراكي اليمني تجيئ من جنوب الشمال، المنطقة الشافعية، بل أن مؤسس الحزب عبدالفتاح اسماعيل من أبناء هذه المناطق، وإن كان أبناء الجنوب كلهم شافعيون.
وبعد اللعبة الانتخابية وقبول الحزب الاشتراكي بنتائجة، وبعد أن اتضحت له حجم المخاطر التي استهدفته، دخل المناورة الجديدة التي بدأت باكتعاف الأمين العام على سالم البيض في عدن منذ أغسطس 1993، ‏بعد رحلة "علاجية" قضاها في الولايات المتحدة الأمريكية. وتقول بعض التقارير أنه اتضح خلال المفحوصات الطبية أنة كان معرضا لعملية إغتيال بنوع خاص من السموم يقتل الإنسان بأعراض سرطانية بعد ستة أشهر. وأنه علم أو أُبلغ بهذا. وقد نشرت أحدى المجلات المتخصصة "مييد"Middle East Economic Digest ‏ في عدد لها في نوفمبر ١٩٩٣ ‏إشارةً إلى شيئ من ذلك.
المهم أن الحزب أدرك أن استمراره في المشاركة في حكم اليمن الواحد على النحو الذي سارت عليه الأمور قبل الانتخابات لابد وأن يضر به كلاعب أساسي في اللعبة السياسية اليمنية لاسيما في ظل استمرار الفساد والعبث بالمال العام، والذي كان هو أحد ممارسية في الفترة الانتقالية، وشعوره بالبدء بفقدان مركز نفوذه السياسي في جنوب اليمن في حال استمرار الأمر. فما كان منه إلأ أن قرر أن يركب موجة غضب الشعب من تفاقم سوء أوضاعة المعيشية والحياتية وتفشي الفساد في كل نواحي المحياة وتقدم بنقاط الإصلاح الثمانية عشرة.
وهكذا فإن اليمن عاش خلال الوحدة وحتى اليوم مدخلات جديدة في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، كان لابد أن يكون لها أثرها في تغيير مسار المجتمع اليمني، فقد نتج عن الوحدة تغيير جيوبولتيكي يمني تمثل في اتساع رقعة اليمن الجديد بحيث أصبح أكثر من ثلثية مناطق شافعية تمتلك الأرض الزراعية والثروة السمكية والثروات المختلفة وأهمها النفط والماءوالذهب والبحار!!! في مقابل مناطق زيدية لاتمكك إلأ السلطة والقوة وفرض الارادة والتسلط والتنفذ!!!
‏وساعد على تقوية موقف الحزب الاشتراكي التفاوضي خلال الأزمة أنه أدرك منذ بداية الوحدة أنه لابد له من أن يحتفظ بقوته في جيش الجنوب السابق والابقاء على مليشياته المسلحة وجهاز استخباراتة القديم، وهي  الأمور التي حاول بمرارة الرئيس صالح تجريد الاشتراكي منهت عبر المماطلة من جهته في اتخاذ نفس الخطوات لحين الفراغ من الانتخابات البرلمانية التي سيكسب بها شرعية دستورية جديدة غير شرعية اتفاقات الوحدة، وبالتالي تؤهله لاتخاذ مايراه من الاجراءات في ذلك الاتجاه، ظناً منه أن ذلك ممكناً. وقد أغفل أن الحزب الإشتراكي يلعب نفس اللعبة التي ستمكنه من كسب جولات قادمة للتأهل للاستمرار في السلطة. وقد أثبت الحزب الاشتراكي قوته من خلال الأصوات التي أحرزها مرشحوه في الانتخابات في الدوائر الشمالية، على الرغم من عدم كسب تلك الدوائر. وقد أفادت خطوات الاشتراكي تلك كتيراً في تعزيز موقع أبناء المناطق الجنوبية في مساعيهم للتخلص من تسلط وتًنًفّذ العناصر المرتبطة بالمؤتمر الشعبي العام، والمطالبة بالحكم المحلي كمخرج من الفساد الاداري والمالي ومن الحرمان والقهر الذين عانت منهد مناطقهم على مدى حكم الرئيس علي عبدالله صالح.
‏‏ويتوهم من يظن أن الحزب الاشتراكي من الممكن أن يتخلى عن مسألة بقاء الجيش الجنوبي السابق تحت سيطرته أو أنه سيقبل بمسألة تصفية مليشياتة أو جهازه الأمني مالم يتم دمج الجييشين وتحديد قوامه بشكل فعلي ووطني ليتحول إلى جيش دفاعي مشكل من رقم معقول يتصفى فيه العدد السابق وتتحلل فيه كافة القوات الخاصة‌ بالرنيس على عبدالله صالح من حرس جمهوري وقوات يقودها أفراد من أهلة وعشيرته، منها الخرس الجمهوري والأمن المركزي على سبيل المثال، ويتم تصفية الأمن الوطني وجهاز الاستخبارات الخاصة بالرئيس، بالاضافة إلى حل "مصلحة شئون القبائل" التي يعيش عليها مشايخ شمال الشمال، ومالم يتم تصفية كل المليشيات المسلحة الخاصة بالتجمع اليمني للإصلاح بكافة فصائله. عنئذ فقط، وعندما يتيقن الحزب الاشتراكي من ذلك، من الممكن أن يقبل أن يتحول إلى حزب سياسي سلمي مثله مثل غيره من الأحزاب وعلى قدم المساواة مع علي عبدالله ممالح ومؤتمره ‏الشعبي العام ومع التجمع اليمني للاصلاح، إن كان سيكتب للحزبين البقاء إذا ماستجابا لشروط الحزب الاشتراكي. وأي تراجع من الحزب الاشتراكي عن موقفه هذا يمثل إنتحاراً محققاً، ليس له فحسب، وإنما لكل الذين بدأوا بتنفس الصعداء بماتحقق حتى الآن. والقبول بهذا، بقدر ما يحقق ضمانات كثيرة للحزب الاشتراكي اليمني للتعاطي مع المستقبل، بقدر ما يجرده من كثير من عناصر القوة. وفي كل الأحوال فإن ضعف الأحزاب الثلاثة لابد وأن يخدم قوى منها، أي من داخلها، أو قوى جديدة صاعدة من داخل المجتمع بدأ نبضها في الأداء تحت سميات متعددة، تأتي في المصاف الأخير لتكون قوى التحرر والليبرالية القادرة على التعاطي الايجابي مع كل المتغيرات الداخلية والخارجية.
‏ضف إلى ذلك، فإن حجب المال العام المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للاصلاح عبر العديد من النقاط التي جاءت وثيقة حوار القوى السياسية، لابد وأن يضعفهما، ويجعلهما عاجزين عن الوفاء بمتطلبات الابقاء على الولاءات المعقودة. وإن كان نفس الأمر سيطبق على الحزب الاشتراكي اليمني، إلاّ أنه يحتفظ لنفسة بعددٍ من الموارد التي يعرفها من قبل الوحدة، وربما تلك التي شكلها بعد الوحدة.
وإذا ماتطرقنا إلى الارهاب وحوادث العنف السياسي التي تعرضت لها الكثير ‏من قيادات وعناصر الحزب الاشتراكي اليمني، والتي يوجد الكثير من مرتكبيها في يد أجهزة أمنية وقضائية متعددة، ويقف ودرعا مراكز كبيرة في المؤتمر والاصلاح، فإنه اذا ماثبت ذلك فإن مما لاشك فيه أن يؤدي ذلك إلى إنهيارات كثيرة قد تودي بتركيبة الاصلاح الحالية على أقل تقدير، وربما بعض من زعاماته، وبالذات إذا ما وضعنا في اعتبارنا الهجمة الأمريكية والغربية على "الأفغان" في كل مكان. ويكفي للتدليل على هذا التذكيرُ بما ذكرته إذاعة لندن مؤخراً في منتصف يناير 1994، من أن هناك دلائل قوية على أن مخططي محاولة تفخيخ موكب رئيس الوزراء المصري عاطف صدقي موجودون في اليمن، وأن هناك قرائن لدى المخابرات المصرية والأمريكية أن بعضا من المتورطين في حادث تفجير مركز التجارة الدولي في نيويورك تلقوا تدريباتهم في معسكرات في اليمن!!!
‏وهكذا، وفي ظل كل هذه التحولات الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان، فضلً عن التغير الجيوبوليتكي اليمني، يصبح من غير المقبول منطقيا أن تظل المعادلة كما هي، ولابد من تغيرها بتغير عناصر القوة داخل المجتمع. وكانت هذه المعطيات بعضاً من أسباب الأزمة التي لم يتحدث عنها الكل بالوضوح الكامل، وان كانت هذه الحقيقة معروفة لكل الأطراف المعنية دن استثناء.
‏لقد أدركت هذه الأطراف أن الوحدة لا رجعة عنها. والديمقراطية لا رجعة عنها. والتغيير أتٍ ولا محيص من القبول به إلاّ الدمار الكامل والذهاب بالأخضر واليابس. واليابس في المناطق الشافعية من حيث ما تراكم من المظلم والقهر والغبن، والأخضر في جيوب المنطقة الزيدية بكل ماتراكم ثروات الفساد والتسلط والسيادة على مقدرات الوطن من قبل قلة قليلة!!! ومن أجل تفادي حساب الماضي فلابد من الاستمرار في السلطة بأي ثمن. ومن هنا كان لابد من التوصل إلى ما وصلت إليه لجنة حوار القوى السياسية.
‏وقد ساعد على ذلك، الاهتمام العالمي، وعلى وجه الخصوص الامريكي والغربي، الذي عكس قلق العالم من احتمال الدخول في أتون صراع يضر بالمصالح التي دعمت ‏قيام الوحدة. وقد كان الدور الأمريكي واضحاً في اللعبة مباشرة عبر الرسائل الى الرئيس اليمني ونائبه، وبطريقة غير مباشرة عبر وساطة الأردن وسلطنة عمان!!! ويجي هذا الاهتمام ليؤكد أن الوحدة قامت بتأييد ومباركة دولية، لأن النفط إذا كان هو المحرك الأساس للازمة كما يحلو للبعض تصويره، فقد كان معروفاً لشبكات المصالح النفطية الغربية سلفاً، ولو كانت اليمن قابلة للتقسيم فإنها لم تكن مهيأة لة مثلما كانت قبل الوحدة، وإن كانت الوحدة غلطة تاريخية سكت عنها الغرب، فكان وقت التصحيح السليم لتلك الغلطة إبان حرب الخليج الثانية أوبعدها، وليس الآن!!!
‏كما ساعد على تجاوز الأزمة الرفض الواعي لكل معطياتها من قبل الشعب لإدراكه أنها ليست سوى صراع على الاستمرار في السلطة بين أطراف متعددة تبحث في النهاية عن الأمان.
‏وفي الأخير يمكن القول أن الأزمة التي قادها الحزب الاشتراكي، ولا نقول افتعلها، لايمكن أن تكون آتية من فراغ، وإنما بإيعاز ذكي يراد به الدفع بالتغيير بأي ثمن، محكو‌مٌ في أوله وفي أخره، ولايهم من يكون الثمن: علي عبدالله صالح والمؤتمر ومن فيه مع الاصلاح ببعض أو كل فصائله، ولوحدهما فقط كفصيلين لجناح واحد، أم أن الثمن قد يشمل الاشتراكي كله أوبعضه أيضا؟ ولا ندري إن كان الحزب الاشتراكي اليمني يعي هذا أم لا: الزمن هو الوحيد القادر على الرد!!!

No comments:

Post a Comment