Friday 22 March 2013

المأزق اليمني (الحلقة الثالثة والأخيرة)


مدخل
"ونحن نتقدم في اتجاه الحوار الوطني الشامل، لعل من المفيد أن يعرف شباب الثورة اليمنية الذين يقودون التغيير والتحول الذي عجزنا، قادة وساسة وأحزاب ودبلوماسين وعسكرين ومدنيين من كل الأطياف، وجاهات ومشائخ، على مدى ما يزيد عن خمسين عاماً منذ انطلاق الثورة اليمنية في سبتمبر 1962 حتى اليوم.
ونحن في هذا الجهد المتواضع، سننقل الجيل الجديد، ليعيش مآسي الماضي الذي صنعها الساسة الذين يتصدون اليوم ليقفزوا إلى المقدمة ليقودوا ثورة الشباب السلمية، ويفرضون أنفسهم أوصياء على الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب، في حين أنهم هم من صنعوا الواقع الظالم الذي ثار الشباب عليه لتغييره ويبنوا لأنفسهم اليمن الذي يريدونه هم، دوت وصاية من أحد!!! فقد شب الشعب عن الطوق!!"
ولفائدة الأجيال الشابة، أعيد عنا نشر الموضوع الذي سبق أن نشرها لي الراحل الكبير هشام باشراحيل في صحيفة "الأيام" على ثلاث حلقات في الأعداد ١٦٧ ‏و١٦٨ و١٦٩ ‏إعتبارا من 10 ‏فبراير1994 ‏ولثلاثة أسابيع)
بقلم: مروان عبدالله عبدالوهاب نعمان
(الحلقة الثالثة)
المستقبل لمن؟
‏إن المأزق الذي يواجهة الائتلاف الثلاثي الحاكم هو مأزق نوإجهه جميعا في هذا الوطن، بل وربما أنه نفس المأزق الذي تواجهة كل الأقطار العربية. إنه المأزق الذي يواجه الحاكم العربي، وبالدرجة الأساسية مأزق الأحزاب العربية عموماً، والمتمثل في أنها غير قادرة في ظل التحولات الديمقراطية التي نشهدها، على مخاطبة المواطن العربي إلاّ بالأساليب القديمة وبالخطاب السياسي القديم. وهذا المأزق يشكل في نفس الوقت أزمة في الحوار فيما بين الأحزاب نفسها، وبينها وبين المجتمع. وغياب الحوار لابد وأن يؤدي بالضرورة إلى الاصطدام والمواجهة. وهو مامثلته الأزمة الأخيرة، وماتزال!!!
‏وهذا المأزق الذي تعيشة الأحزاب ناتج عن ظروف نشأتها في الأساس كأدوات رأت أن عليها أن تقود المجتمعات العربية، وبالتالي ارتكزت دساتيرها ونظرياتها وهيكلياتها الحزبية بشكل جوهري على منطق أمتلاك الحق في أدلجة المجتمع وفقاً لتلك الرؤى. فهي إذن أحزاب نخبة رائدة ترى أنها تمتلك الحقيقة الوحيدة داخل المجتمع في سبيل تحقيق أهدافها، وترفض من حيث المبدأ التعاطي مع مبادئ وقيم الغرب، لسبب جوهري مرتبط بتراثه الاستعماري، والتي من ضمنها مبادئ الديمقراطية وكل القيم المرتبطة بحرية الفرد والمجتمع في تشكيل حاضره ومستقبلة وفقا لاختيارات حرة.
وهكذا، فإن التراث السياسي للاحزاب العربية إجمالاً قام على أساس التخلص من الأجنبي أوالوصول إلى السلطة لتحقيق الأهداف المرسومة، وأي حركة سياسية تنافس أي حزب في ذلك تدخل في عداد أعداء المجتمع. الحزب هو الثورة داخل المجتمع، وعلى الآخرين إما التحالف أو الانضواء، وإما أن يكونوا الثورة المضادة. وانعكس ذلك في أدبيات الأحزاب، كما أنعكس في هيكلياتها وتكويناتها التي تقوم على العمل السري والاستقطاب التنظيمي، في كل مفاصل الدولة، بهدف الوصول إلى السلطة أو الانقضاض عليها.
‏ومن هنا، فإن الأحزاب الموجودة كلها ليست مهيأة، في الأساس، على التعاطي مع المجتمع أو الأحزاب الأخرى إلاّ وفقاً لهذه الرؤى المتناقضة تماماً مع قيم الديمقراطية التي شكلت الواقع الجيد الذي نعيشه ويفترض القبول بتعدد الرؤى والأفكار داخل المجتمع واستيعابها.
أن أداء الأحزاب في المجتمعات الديمقراطية تفترض وجود خطاب سياسي جديد واداء جديد لا يقوم إلاّ على مقدرة برامج الأحزاب على أقناع الناخبين في الاقتراع لصالحها، وذلك في ظل توافر مدخلات أخرى في الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تشكل في مجموعها أبعاد المجتمع الديمقراطي الحر. وقد أدى ذلك إلى عدم كفاة الأحزاب المؤتلفة في معالجة المشاكل والتحديات التي تواجهنا، إلى الأزمة التي لم تجد جوابها إلأ في حوار وطني استوعب الجميع!!!
‏إن الأحزاب التي قادما المناضلون الأوائل وحققت بعض النجاحات، إنما ‏تسنى لها ذلك لأنها استطاعت توحيد صفوف الجماهير وتعميق المشاعر الوطنية والقومية في صراعاتها من أجل الاستقلال والتحرر. أي أنها تمكنت من ذلك بسبب وجود هدف نضالي موحد في عدو مشترك للمجتمع ككل. وقد نجم عن ذلك أن تطورت الأحوال بتلك الأحزاب إلى خلق أنظمة شمولية بشكل أنظمة حزب واحد أو بشكل حكم فرد أو نخبة عسكرية، أنظمة تطورت لتصل في النهاية إلى إنكار كامل للديمقراطية ولحقوق الإنسان.
‏وكافة الأحزاب الموجودة على الساحة اليمنية - من اليمين إلى اليسار- هي نتاج ذلك التاريخ السياسي لنشأة الأحزاب والنخب الحاكمة في أجزاء كثيرة من الوطن العربي، بما في ذلك أحزاب الائتلاف الثلاثة.
‏وفي وسط عالم متغير، وفي ظل تراكم وتشعب وتعقد وتعدد المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نعاني منها، والناجمة في الأساس من ممارسات النظامين السياسين اللذين سادا شطري الوطن يعيش الوطن ما يعيشه.
‏مابعد الأزمة؟
‏والآن وبعد ما بدأت الأزمة تلوح لنا في الإياب، يستطيع المرء أن يقول إن ماحققته لجنة حوار القوى السياسية إنما هو انتصار للعقل اليمني على ماعداه من أجل تجاوز التحديات التي تواجه الإنسان اليمني في ترسيخ الوحدة والديمقراطية وحرية الوطن والمواطن من أجل الغد الأفضل الذي نتنماه جميعا لمستقبل أبنائنا.
تحديات كثيرة وشاقة وصعبة اعترضت مسيرة اليمن على طول الطريق منذ وقت مبكر في نضال الشعب من أجل تحقيق ذاته وطموحاته، وراهنت الكثير من القوى على انتكاسة في كل تحد، غير أنه خرج منتصراً في كل الأوقات، منذ ثورة 1948، ‏وحتى الثورة الكبرى، وحدة الوطن التي تحققت في 22 ‏مايو1990، ‏ومنذ هذا التاريخ انتصر في تحدي الاستفتاء على الدستور وفي تجاوز مأزق حرب اقتصادية طاحنة إستهدفت الانقضاض على منجز الوحدة منذ الأشهر الأولى لقيام دولة الوحدة، وفي إنجاز أول انتخابات حرة ديمقراطية تقوم على التعددية السياسية والحزبية. وهانحن اليوم في بدايات تجاوز الأزمة التي امتدت على مسافة من الزمن كانت كافية لنسف كل شيئ وأن تأتي على الأخضر واليابس.
والآن، وبعد هذا تبدأ كثير من التساؤلات تطرح نفسها.
هل الحكومة الأثتلافية الحالية، وهي حكومة غير تكنوقراطية ويغلب عليها الطابع الحزبي، قادرة على تطبيق ما ورد في الاتفاق، وفي البرنامج الذي بموجبه حازت على ثقة مجلس النواب؟ لاسيما وأن برنامج الحكومة، في كافة جوانبه الاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية، مناقضٌ للدستور على الرغم من منح مجلس النواب ثقتة على ذلك البرنامج، بوعي أو بدون وعي منه بمخالفة البرنامج للدستور؟
وهل مجلس النواب، بتركيبته الحالية الهشة الضعيفة التي اختارت أحزاب الائثلاف عناصره من غير الاكفاء في الغالب، قادرٌ على القيام بمهامه المناطة به بموجب الدستور النافذ، وعلى وجه الخصوص تعديل الدستور على النحو الذي اقترحتة وتيقة العهد والاتفاق التي خرجت بها لجنة حوار القوى السياسية؟
‏هل ستمر الاصلاحات المطلوبة المطروحة دون مقاومة من أطراف الفساد بكل ‏أشكاله في كل موقع ومن كافة الانتماءا‏ت السياسيه، لا‏سيما وأن هذه الأطراف لا تزال ممسكة بمواقع متعددة هامة؟
كيف سيكون التصرف إزاء نتائج محاكمة العناصر المتهمة بجرائم الارهاب والعنف الذي أصاب المجتمع، وذلك إذا ما ثبت تورط عناصر موجودة في مواقع مختلفة في تلك الجرائم؟
وتساؤلات كثيرة وكثيرة وكثيرة.
إننا نرى أن الائتلاف الحاكم بتركيبتة الحالية لن يكون قادرا على النجاح، ونقول النجاح، في إنجاز التنفيذ الكامل لوثيقة العهد والاتفاق، من منطلق مناقضة هذه المهام مع الدستور الحالي الذي يتطلب صراعاً مريراً لتعديله وفقا لمتطلبات الاتفاق من جهة، ومن جهة أخرى نتيجة لإفتقاد مؤهلات إنجاز تلك المهام نتيجة لكون عناصرها تحكمها إنتماءات عقائدية ستصطدم حتماً بمتطلبات تلك المهام أو نتائجها التي ستطول قطاعات واسعة من المتنفذين والموالين لأحزاب الائتلاف في الدولة بكافة أنشطتها المدنية والعسكرية والأمنية.
هذا، فضلاً عن أن الحكومة في تعهداتها الدولية مع صندوق النقد الدولي في إنجاز التحول نحو اقتصاد السوق الحر الكامل، وبالذات الاصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية كشروط مسبقة لتصحيح مسار الاقتصاد اليمني المنهار، لم تقم بتهيئة المجتمع بالمصاعب والمشاق المعيشية التي ستصيب الغالبية العظمى داخل المجتمع من تسريح لأعداد كبيرة من كادر الدولة، ومن ثبيت للأجور في مقابل الارتفاع المرتقب في أسعار السلع المختلفة بما في ذلك المواد الأساسية، المدعومة حالياً والتي سترتفع مستقبلاً، والمواد البترولية، لتصل تلك الأسعار إلى أسعار السوق الحقيقية، أي سعر الدولار بقيمتة السوقية، ومن رفع للضرائب وللرسوم الجمركية وفرض ضرائب جديدة.
‏ويضاف إلى ذلك، لن تتمكن الدولة من تحمل تصفية عناصر الفساد لاسيما إذا كانوا في الصفوف الأولى داخلها. وأمور أخرى كثيرة، لعل من أهمها ستكون العواصف التي ستنتج عن معارك توحيد نظام التعليم العام وتصفية القطاع العام واصدار سندات الدين العام وأذنونات الخزينة والتي أوصى بها صندوق النقد الدولي.
‏وسوف تصطدم أحزاب الائتلاف مرة أخرى داخل مجلس النواب في إقرار الاتفاقيات الدولية اللازمة لعمليات الاصلاح الاقتصادي والمالي والاداري، بوعي أو بدون وعي، نتيجة للمؤهلات التعليمية والثقافية المتواضعة للغالبية العظمى من أعضائه، كما ستصطدم بمسألة التعديلات الدستورية اللازمة لتنفيذ وثيقة العهد والاتفاق، لذات الأسباب ولأسباب أخرى تتعلق بتركيبة أعضاء المجلس من مختلف الأحزاب المؤتلفة ونتيجة لآثار كل ماسبق الإشارة إليه من سلبيات عملية الاصلاح المالي والاداري والمالي التي ستؤدي بالضرورة إلى إضعاف قوة تلك الأحزاب المؤتلفة، في القمة حيث المتنفذين وعناصر الفساد والتسلط، وعند القواعد التي ترتكز عليها. وبالتالي ستحاول تلك الأحزاب الخروج بأقل الخسائر، مالم تحدث إختلالات كبيرة في تركيبة الانتماء الحزبي لأعضاء مجلس النواب تُعين على تجاوز نسبة الثلاثة أرباع اللازمة لتمرير التعديلات الدستورية.
‏إن عملية تنفيذ وثيقة العهد والاتفاق لابد وأن يقاومها، وبعنف، الذين سيخسرون من إدانة عمليات العنف والارهاب وتصفية مراكز القوى في الجيش والجهاز الحكومي وإنهاء مراكز التسلط والنفوذ والفساد، وهي عناصر مختلفة من أحزاب الائتلاف، ولابد وأن يؤدي فقدانها لأمتيازاتها ومواقعها أن تؤثر حتماً على المستقبل.
ويضاف إلى ذلك كله مسألة على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية وهي أن اليمن تدخل الآن مرحلة هامة من تاريخها السياسي تقوم في الحياة على الحرية الكاملة في كل أبعادها من ديمقراطية وتعددية سياسية وتداول سلمي للسلطة وحرية اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها، وهذه المرحلة الجديدة لامجال للخوض فيها أو الارتداد عنها، ويشكل هذا أكبر تحدٍ يواجه مختلف القوى السياسية التي لابد وأن تصطدم بأية محاولة يقوم بها أي حزب لأعادة التكيف، مما لابد وأن يؤدي إلى حدوث انشقاقات وانهيارات في بعض الأحزاب وغياب لبعضها، ولن يتمكن من الاستمرار إلآ من يملك مؤهلات الاستمرار في ظل معطيات العصر. ولابد أن يتزامن هذا مع بروز أحزاب وقوى سياسية جديدة داخل المجتمع قادرة على استيعاب أن الحرية والتعددية السياسية والديمقراطية إنما تعني أن الوطن ملك للجميع، والقدرةُ على استيعاب احتياجاتهم ورؤهام وهمومهم وألامهم وآمالهم شرطٌ مسبقٌ في مجتمع تتعدد فيه تلك الاحتياجات والرؤى والهموم والآلام والآمال من أجل الانطلاق بالمجتمع نحو الخلق والأبداع والتحول نحو الأفضل المتجدد دوماً.
وثيقة العهد والاتفاق سيتم التوقيع عليها من قادة الائتلاف، شاءوا أم أبوا، مثلما وقع عليها ممثلوهم في حوار أطراف القوى السياسية في عدن في 18/1/1994‏، لكن ماذا بعد؟ هاهو الثمن؟ لابد أن يكون الثمن غالياً - وربما دموياً – ولكن محكوماً في آخره، مثلما كانت الأزمة نفسها محكومةً في أولها!! إنها ليست رؤية سوداوية، ولكنها التفاؤل الوحيد في ظل المتاهة التي يريدها الخاسرون. إننا كمن يضحك، مكابرة، من الألم الذي وصل إلى العظم.
‏إن علينا أن نتهيأ للدخول في مرحلة جديدة بدماء جديدة وبأفكار جديدة من أجل تجاوز ماسي الماضي الذي يراد أغلاق ملفة والى الأبد في مسعى لتجنيب اليمن دورات العنف المتوالية بين منتصرين وخاسرين، ومن أجل بناء مجتمع يتسع لكل أبناء الوطن تذوب فيه كل الفوارق والتمايزات ويتحقق فيه الخير لكل أبنائه، ومن أجل أن يرضى عنا أبناؤنا وأحفادنا في يمن المستقبل العظيم الرائع لأننا جنبناهم عواقب المأسي والكوارث وبذرنا لهم كل بذور الخير والنماء والعطاء والتجدد الخلاق.
انتهت المقالة في 10 فبراير 1994
ووقعت وثيقة العهد والاتفاق ...
ولم تنفذ ...
وهرب الجميع إلى حرب 1994 ...
ودخلت اليمن في متواليات من الأزمات انتهت بثورة فبراير 2011

No comments:

Post a Comment