Wednesday 26 September 2012

هل نحن قادرون على صياغة المستقبل الذي نريد؟ (1)

هل نحن قادرون على صياغة المستقبل الذي نريد؟(1)
بقلم/ السفير مروان عبدالله عبدالوهاب نعمان
الأربعاء 26 سبتمبر-أيلول 2012 09:49 م

مهام الحوار الوطني الشامل القادم
نشر الكاتب الامريكي الشهير توماس فريدمان مقال بعنوان "عامل الخوف" في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 26يونيو 2012، بعد انتخاب الرئيس المصري محمد مرسي، تطرق فيها الى مخرجات الربيع في مصر، وما آلت اليه ثورات الربيع العربي وحالة المراوحة التي وصلت اليها.
ويأتي استعراضنا هنا لهذه المقالة بعد قيام رئيس الجمهورية الاخ عبدربه منصور هادي مؤخراً باتخاذ عدد من القرارات والخطوات الهامة دفعت بعجلة العملية السياسية في البلاد، مرتبطة بتنفيذ المرحلة الثانية من المرحلة الانتقالية ومتطلباتها التي نصت عليها الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وهي القرارات التي سنأتي على ذكرها لاحقاً، وأهميتها بالنسبة للحوار الوطني الشامل الذي يخرج بالبلاد إلى بر الأمان، وذلك بعد ان كانت البلاد قد دخلت بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2051 (2012) حالة شبه جمود في مسيرة الانتقال السلمي للسلطة، واستشراء حالة من اليأس التي يعيشها المواطنين الذين يرون وكأن دماء الشهداء وتضحياتهم ومعاناة الضحايا وأهلهم وأسرهم تذهب إدراج الرياح وان هناك من يخطط لقطف ثمار انتصار الثورة والتضحيات.
يشير الكاتب الكبير الى ان قوة ثورات الربيع العربي تتلخص في انها حدثت لأن الشعوب العربية لم تعد تخاف من قادتها، وان ضعفها يكمن في انها تعيش حالة من الجمود لأن الشعوب العربية في دول الربيع العربي لاتزال تخاف من بعضهم البعض. ويرى الكاتب ان ثقافة الخوف هي بالضبط ما عمل الطغاة على تغذيتها ورعايتها. وان معظم القادة الذي سقطوا أداروا بلادهم مثل أدارة زعماء المافيا لعصاباتهم، انهم أرادوا من الناس أن يخشى بعضهم البعض أكثر من خشيتهم زعمائهم، بحيث يتمكن كل دكتاتور من يتربع على قمة المجتمع كله، يخلق الولاءات ويؤمن الحماية، ويحكم بقبضة حديدية على الجميع.
ويذكر فريدمان ان نجاح ثورات الربيع العربي في تحقيق أهدافها في أنظمة يسودها حكم القانون والمواطنة المتساوية لايتحقق بمجرد التخلص هذه الأنظمة الديكتاتورية لتجاوز ميراث الماضي، وانما من خلال خلق ثقافة التنوع والمواطنة المتساوية محل ثقافة الخوف . وحتى تنجح ثورات الربيع العربي في تحقيق ذلك، "ستظل القبائل تخاف من القبائل الأخرى في كل من ليبيا واليمن، وستظل الطوائف تخشى من الطوائف الأخرى في كل من سوريا والبحرين، وسيظل العلمانيون والمسيحيون يخشون من الإسلاميين في مصر وتونس."
ويستطرد فريدمان الى القول بأنه يخطئ من يعتقد أن الانتقال ببلدان ثورات الربيع العربي الى ثقافة وهوية "المواطنة المتساوية" سيكون أمراً سهلاً. فقد "استغرق أمريكا قرنين من النضال والتوافق لتصل الى اللحظة التي تمكنت فيها من انتخاب رجل أسود اسم والده حسين كرئيس للبلاد، والتفكير بعد ذلك في استبداله برئيس كم طائفة المورمون. وهذا في بلد كل أهله من المهاجرين."
ورغم التشاؤم الذي يمكن ان يوحي به مثل هذا الطرح حول صعوبة الوصول الى ثقافة المواطنة المتساوية، ينطلق الكاتب لينبه الى اهمية عدم إغفال "الأصوات الحقيقية والتطلعات الراسخة التي أدت إلى إطلاق شرارة تلك الثورات العربية"، وعدم إغفال طموحات الشباب العربي، في كل هذه البلدان، في "الوصول الى المواطنة الحقيقية ووجود حكومات يشارك فيها الجميع وتخضع للمساءلة."، ونبّه الى ان الزخم لدى الشباب لايزال موجوداً. واي حاكم سيكون مضطراً الى الاستجابة لهذه الطموحات!!
وعن التجربة المصرية، وكان المقال قبل أداء الرئيس محمد مرسي لليمين الدستورية، نوه فريدمان الى نجاح الرئيس المصري محمد مرسي يتوقف في انه في نهاية المطاف على مقدرته في "أن يتعلم العمل مع مكونات المجتمع المصري الاخرى من العلمانيين والليبراليين والسلفيين والمسيحيين"، حيث "سيكون لهذه التجربة تأثيرٌ كبيرٌ على جميع ثورات الربيع العربي الأخرى. فإذا تمكن المصريون من صياغة عقد اجتماعي قابل للتطبيق لحكم أنفسهم بأنفسهم، ستكون تجربتهم قدوة للمنطقة بأكمله." وهنا علينا أن نتذكر كيف ظللنا في اليمن نتابع تطورات الانتخابات المصرية وكأنها في عقر دارنا، ونتذكر الفرحة التي عمت في اليمن بنجاح الرئيس محمد مرسي، لأن نجاحه كان المقدمة الأولى لنجاح الثورة المصرية.
واستطرد المقال الى القول بانه يتعين "على الاخوان المسلمون الآن يمدوا أياديهم بصدق إلى 50٪ الأخرى من مصر – من مكونات العلمانيين، والليبراليين، والسلفيين والمسيحيين – وأن يؤكدوا لهم ليس بانهم لن يتعرضوا للأذى فحسب، وإنما أن وجهات نظرهم وتطلعاتهم سوف تكون متوازنة إلى جانب وجهات نظر وتطلعات جماعة الاخوان المسلمين. وسيتطلب هذا الأمر، مع مرور الوقت، ثورة في التفكير من قبل قيادة الاخوان المسلمين واعضائه ومنتسبيه الاقتناع فعلا بالتنوع الديني والسياسي وهم ينتقلون من المعارضة إلى الحكم. وهذا لن يحدث بين عشية وضحاها، ولكن إذا لم يحدث ذلك على الإطلاق، فإن التجربة الديمقراطية المصرية سوف تفشل، وسوف تشكل سابقة مخيفة للمنطقة."
وفي النهاية أشار الكاتب الى ان ما تحتاجه ثورات الربيع العربي هو اعتماد "المبادئ التي حددتها الأمم المتحدة في تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002، الذي كتبه عربٌ ووجهوه للعرب. وهو التقرير الذي أن العالم العربي لكي يحقق ازدهاره فإنه بحاجة إلى التغلب على الوصول إلى الحرية المفقودة، وتجاوز العجز في المعرفة والعجز في تمكين المرأة، وأضاف فريدمان إلى ذلك تجاوز العالم العربي لعجزه عن القبول بالتنوع الديني والسياسي. ووجه الكاتب تصيحته إلى حكومة بلاده بأنه ينبغي عليها مساعدة أي بلد تعمل حكومته على أن تنفيذ تلك الأجندة - بما في ذلك مصر بقيادة رئيس من الإخوان المسلمين - ووقف دعمها لأي حكومة لاتلتزم بذلك."
ماذا تحقق حتى الآن من أهداف لثورات الربيع العربي
استبعاداً لنظرية المؤامرة، التي تتسيد الفكر السياسي العربي والأنظمة العربية منذ نشأتها، يمكن الجزم بأن ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، شكلت زلزالاً كبيراً في العالم العربي كله دون استثناء، لاتزال إرتداداته تهز كل الأنظمة العربية قاطبة، في تلك الأقطار وفي غيرها. وللتذكير، فإن علينا ألاّ ننسى أن هذه الثورات، من حيث الفعل الثوري للشباب العربي، لم تقتصر على هذه الأنظمة الجمهورية التي تحولت إلى أبشع أنظمة ديكتاتورية في التاريخ، وإنما تزامنت مع ثورات في دولتين عربيتين ملكيتين هما الأردن والمغرب، تحمل نفس المطالب في الخصول على الحريات المفقودة، في كل البلاد. وتعيش هذه البلدان التحرك الفعلي لتحقيق التغيير المطلوب لتأسيس أنظمة تمثل شعوبها تقوم على حرية الإنسان العربي وكرامته.
وهنا، أنجز المغرب تحولاً كبيراً في الوصول إلى أقامة ملكية دستورية تحكمها حكومة منتخبة ينتخبها ويحاسبها الشعب لا الملك، ووصل الإسلاميون إلى سدة الحكم، ووضع المغاربة دستوراً اعترف بالأماريغ ولغتهم واليهود وغيرهم من الأديان. والمغرب بلدٌ يحكمه ملك هاشمي.
ولاتزال الأردن ماضية في سعي شعبها في التحول نحو تحقيق نفس الهدف الذي أنجزته المغرب. ونجد الإسلاميون هنا في مقدمة صفوف الحراك السياسي. والأردن بلدٌ يحكمه ملك هاشمي.
ووصل الإسلاميون في تونس، ويقودون تجربة رائدة في التحول تشكل نموذجاً لتأسيس ثقافة التنوع والمواطنة المتساوية. وفي ليبيا، لم يفز الإسلاميون وإنما الليبراليون، مايسقط نظرية المؤامرة التي كانت قائمة بأن الإسلاميون هم الذي سينقضون على السلطة في ليبيا على أنقاض اللادولة التي صنعها القذافي، واليوم فقط تسلم المؤتمر الوطني العام الجديد في ليبيا الذي تشكل عقب الانتخابات الأخيرة في البلاد السلطة من الحكومة المؤقتة، الإسلامية، في خطوة هامة في مرحلة الانتقال السياسي السلمي الذي يحدث لأول مرة في تاريخ ليبيا.
أما مصر، على الرغم من فوز الدكتور محمد مرسي، من تيار الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من التعثرات التي اعتورت مسيرة تأسيس الدولة المدنية، فإنها ماضية في طريق الوصل إلى تحقيق أهداف ثورة 25 يناير 2011 التي قادها الشباب المصري.
وفي سوريا، لاتزال الثورة متقدة في مواجهة نظام الأسد المتهاوي، والذي سيصل إلى مصيره المحتوم البشع حتماً، والذي أضحى قاب قوسين أو أدنى، وسينتصر الشعب السوري الصامد في الوصول إلى الحرية والانعتاق رغم التآمر الروسي والصيني ووقوفهما ضد إرادة الشعب السوري في إسقاط نظام الأسد البشع.
وفي المقابل، ليست لبنان استثناءاً رغم الديمقراطية الطائفية التي تنظمها، فقد بدأت أصوات تطالب بإعادة النظر في أوضاع البلاد، ومنها المطالبة بتحقيق العدالة الانتقالية والتحقيق في طل انتهاكات حقوق الإنسان منذ الحرب الأهلية في عام 1975.
ولايغيب عن أذهاننا من بدايات لثورة شعبية في طريقها لإسقاط نظام البشير الذي أحرق النسل والحرث في جنوب السودان وفي دارفور وفي شرق البلاد، ولايزال ممسكاً بسلطة آيلة للسقوط القريب. كما أن الجزائز شهدت متغيرات تتجه نحو الإصلاح بعد أن فشل الرئيس بوتفليقة في ترتيبات توريث أخيه. ويتحرك الشعب في موريتانيا في ذات الاتجاهات لإسقاط النظام الموريتاني الذي أسسه العسكر. وفي العراق يطالب العراقيون بالتغيير أيضاً.
ولايجب أن نفغل أيضاً ثورة الربيع العربي في البحرين، وما يتعرض له أبناء الشعب البحريني من الغالبية الشيعية من ظلم وقهر وإنكار لتطلعاتهم في إنجاز نظام حكم ملكي دستوري بحكومة تمثل حقيقة الشعب البحريني بكل أطيافه ومكوناته. وإن بدا أن بلدان أخرى في الجزيرة العربية في منأى عن التغيير في الظاهر، فإن الثروات، حتى الآن على الأقل، استطاعت أن تحقق ما يبدو وكأنه مطالب شعوبها، إلى جانب أنها تقوم بأدوار مركزية في محاولات التحكم بمخرجات ثورات الربيع العربي.
ولعل من الجدير بنا الإشارة إلى ما نشرته مجلة الايكونوميست البريطانية في عددها الصادر بتاريخ 23 يونيو 2012 بعنوان "المملكة العربية السعودية: حان الوقت ان يفسح المسنون الطريق، يجب على اكبر مملكة عربية محافظة ان تقوم بالتغير السريع او الموت"، وقد جاء المقال، وليس الوحيد من نوعه، في أعقاب وفاة ولي العهد نايف بن عبدالعزيز، الذي وصفته المجلة بأنه هو الذي "يتصدر الجناح المتشدد في الاسرة الحاكمة المناهض للتغيير. وكانت وزارة الداخلية، التي أدارها على مدى 37 عاماً، لعنة للإصلاحيين. وحتى الآن لاتوجد أية إشارة الى أن وفاته ستطلق قوى التغيير." وأنه "والأمراء الآخرون الموالين له، يرون ان المملكة هي واحة للاستقرار والعقلانية في بحر من الفوضى والمد الثوري." "ويعتبر الربيع العربي لعنة بالنسبة لهم، وهم يكرهون ويخافون كل من الثوريين العلمانيين والإخوان المسلمين. وعلى الرغم من انهم ساندوا سقوط معمر القذافي في ليبيا لأنهم رأوا أن نظامه أكثر خطورة من البديل، الا انهم اعتبروا سقوط مبارك بمثابة كارثة. وذكرت المجلة خطوات الإصلاح التي يقودها الملك عبدالله بحذر، غير أن المسيرة تمضي ببطء شديد بسبب السلطات الدينية الرجعية، وأن النظام مستمر "في الاعتماد على رشوة وقمع سكان البلاد الثلاثين مليون لاسكاتهم. وعندما بلغت الثورة الديمقراطية ذروتها منذ عام، صرف الملك 130 بليون دولار كترضية ذات بعد اجتماعي." وتطرق المقال إلى أن مساعي المملكة في مواجهة وهزيمة المتطرفين الدينين الموالين لاسامة بن لادن، السعودي الذي سعى "للإطاحة بالملكية بسبب فسادها وتعاونها مع الكفار، وتحديدا الأمريكيون. وأبقت الاسرة الحاكمة عينيها مفتوحتان تراقب عُشر سكانها السعوديين من الشيعة المسلمين، والذين يعتبرهم الحكام السنيون زنادقة مرتبطين بإيران. كما ان الاسرة تتعامل بقسوة مع جماعة صغيرة الا انها متنامية من الإصلاحيين، من العلمانيين والاسلاميين، والذين يسعون لمشاركة سياسية أوسع للمواطنين العاديين بما فيهم المرأة."
وحذرت المجلة من أن البلاد وإن كانت هادئة "الا انها ليست مستقرة. وبالرغم من الثراء الفاحش للطبقة الحاكمة، فإن عدد الفقراء كبير بشكل غريب. فهناك ثلث الشباب السعودي عاطلون. وهناك 140000 سعودي يدرسون في الخارج سيطالبون بان تكون لهم كلمة عندما يعودون. وتجد وسائل التواصل الاجتماعي غير المرحب بها، بما فيها الفيسبوك واليوتيوب، منتشرة عبر الاثير. والطبقة الوسطى المتنامية لن تسترخي على مسند الرشوات والعطايا في مقابل التخلي عن ان يكون لها دور حقيقي في المشهد."
وحذرت المجلة من أن "الزمن لم يعُد في صف اسرة آل سعود. واذا ارادت الاسرة البقاء، فإن كبار السن بحاجة لأن يتركوا." وأن يتم اختيار ملكاً صغير في السن في الخمسين من عمره أو يزيد "فقد يستطيع حينها ان يبدأ إصلاحاً حقيقياً بمنح المزيد من السلطات لمجلس الشورى التابع للملك، وان يدفع بانتخاب الممثلين، ربما في المستويات الأدنى من الادارة كبداية." وكان هذا قبل إزاحة الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وتولية الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز المخابرات السعودية؟
وفي خلاصة القول حذرت المجلة أيضاً إلى أنه إذا "استمرت الاسرة السعودية في تقديم الرشوات والقهر، فمن المؤكد انه سيتم الإطاحة بها في نهاية الامر- ربما ليس خلال هذه الجولة من الثورة العربية، ولكن من المؤكد خلال ثورة اخرى."
وهناك أوضاع أخرى مرشحة للانفجار في سلطنة عمان وغيرها وقد بدت بعض المؤشرات في الطفو إلى السطح مطالبة بالمزيد من الحريات.
أما إلى أين وصلنا في اليمن في مسار تحقيق الانتقال السلمي للسلطة وأهداف ثورة الشباب السلمية والتحضيرات الجارية للدخول قي الحوار الوطني الشامل، فسوف نتناول ذلك في حلقات لاحقة.

No comments:

Post a Comment