Tuesday 25 September 2012

قراءة إيضاحية في خطاب الرئيس هادي بمناسبة الذكرى الخمسين لثورة 26 سبتمبر 1962

قراءة إيضاحية في خطاب الرئيس هادي
بمناسبة الذكرى الخمسين لثورة 26 سبتمبر 1962


استعراض
السفير مروان عبدالله عبدالوهاب نعمان

القى الرئيس عبد ربه منصور هادي، رئيس الجمهورية، بمناسبة الذكرى الخمسين لثورة 26 من سبتمبر والرابعة والتسعين لقورة 14 اكتوبر. ويعتبر هذا الخطاب رسالة سياسية هامة لكل يمني بمختلف الانتماءات والمناطق والتفكير والمأرب والمصالح والآهداف، تضع النقاط على الحروف بشأن المرحلة التاريخية السياسية الحرجة من تاريخ اليمن السياسي، التي ستقود إلى بناء اليمن الجديد.

وفي بداية الحديث أشار الرئيس هادي إلى أن اضطراره للتواجد خارج الوطن يهدف إلى البحث عن "دعم يدير عجلة اقتصاد منهار ومتلمسا لعون يساعدنا جميعا على استكمال السير في إنجاز مهمة التغيير بسلام ودون خسائر."

وبهذه المناسبة، ذكَّر الرئيس هادي بنضالات شهداء الثورة اليمنية في شطري الوطن، مشدداً على "إن قيمة الثورات تتجسد بقدر ما تحمله من مشاريع بناء واهداف سامية تخدم الاوطان والبشرية." مؤكداً أن هدف تصحيات الشعب اليمني كان هدف واحداً في التخلص من ظلم الإمامة والاستعمار.

وقد استعرض الرئيس هادي أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لمستقبل اليمن الجديد، وهو الإشارة إلى وحدة اليمن التي لا يجب المساس بها قال الرئيس هادي، وأن تلك النضالات تؤكد "على ان اليمن وفي مختلف مراحل تاريخها القديم والوسيط وحتى الحديث والمعاصر ظلت الاسم الجامع لليمنيين على رغم التقسيم الذي طالها وصارت فيه دويلات وكيانات صغيرة،" وأن أي حديث عن عهود ما قبل الثورة إنما هو "حديث له علاقة بالماضي يهتم بتتبع تفاصيله واحداثه المؤرخون والباحثون والمحققون والعودة اليه في مناسبات كهذه يعد ضرورة فقط لاستخلاص العبر والاستفادة من الدروس،" وذلك في إشارة واضحة إلى رفض المساس بالوحدة اليمنية التي أسهم في تحقيقها كل اليمنيين، وأن التشرذم الذي عاشه اليمن يجب الاهتداء به في بناء اليمن الجديد الذي يجب أن يتسع لكل أبنائه.

وأول الدروس التي علينا ان نتعلمه هو "أن أي حكم يقوم على اساس عصبوي او سلالي او قبلي او بواسطة الاحتلال الاجنبي غصبا عن رغبات الشعب فان استمراره يعد ضد سنن الحياة، ومهما طال استمراره فلا بد ان تسقطه ارادة الجماهير." وأن أي تناول لسلبيات الماضي يجب أن يأتي من "قبيل التأمل والتحفز لعدم عودة ما يمكن ان يكون اجترارا لمرارة ماض نحتفل سنويا بالقضاء عليه."

وعند الحديث عن الخمسة العقود الماضية منذ قيام ثورة 26 سبتمبر، ذكَّر الرئيس هادي بالإخفاقات التي اعتورت مسارات الثورة اليمنية، وإن كل حكام اليمن شمالاً وجنوباً لايمكن لهم الادعاء بالنجاح في تحقيق "كل ما ثار ضده شعبنا وحلم به."

وعن المرحلة التي يمر بها اليمن، قال الرئيس هادي بأن نضال اليمنيين قد بلغ "لحظة حاسمة" بعد أن نجحوا "مجتمعين بانقاذ البلد من دمار كان وشيكاً، وهو ما يحتم علي دعوة العلماء والسياسيين والمثقفين والمشائخ والوجاهات الاجتماعية وقادة الرأي لاغتنام هذه اللحظة والعمل على خلق الارضية الصالحة للتوافق حتى تتسارع عملية التحول الشامل." مشدداً على أن "يعد بوسع أحد التسويف أو المماطلة لأن الجهود إذا توانت أو ضعفت الآن فسيكون ذلك بمثابة تفريط بفرصة توافرت الظروف لإنجاحها حتى اليوم على الطريق ينبغي أن يشجعنا على مضاعفة جهودنا للوصول إلى غايتنا لأن مسيرتنا نحو التغيير لا رجعة فيها وعلينا ألا نسمح للتردد أو المخاوف أن تثنينا عنه لأن عودتنا إلى الوراء ستكون بمثابة هزيمة لن تسامحنا الأجيال القادمة عليها لأنه سيعد تفريطا بحقها بالعيش في وطن آمن ومستقر."

وأكد الرئيس هادي، وهو يركز في حديثه عن الحاضر أن على الجميع توجيه الجهود من أجل "إصلاح ما أعوج فيه ليكون محطة انطلاق إلى مستقبل أفضل نريد تحقيقه"، ناصحاً الجميع بعدم تفسير التغييرات الجارية من خلال "سوء النوايا" لأن من غير الممكن "إعادة إنتاج" الماضي بسلطاته وشخوصه." مشدداً على "أن أيه عملية انتقال وبالذات حينما تكون بحجم ما نحن مقدمون عليه فإننا يجب أن لانتوقع أن تكون الأرض معبدة ومفروشة بالورد وبالذات حين يكون الهدف الذي نريد تحقيقه هو الانتقال من الشرعية التقليدية إلى مرحلة الشرعية الدستورية والقانونية وهو ما نواصل السير لتحقيقه." ومؤكداً على أن "المصالحة الوطنية وبناء الدولة" لن يكتب لها النجاج دون "اجتثاث الجذور الحقيقية لماضي الصراع والظلم" ذلك أن المستقبل يتوقف على تماسك اليمنيين الاجتماعي لتأمين الوطن وبقاء الديمقراطية، وقبل كل شي آخر على قدرة الدولة على "تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب وضمان تحقيق العدل والمساواة في الحقوق السياسية والمدنية واحترام حقوق الانسان،" معرباً عن ثقته في أن "من الممكن والعملي بلوغ هدفنا المتمثل في تهيئة حياة افضل للجميع" انطلاقاً من ثقته وإدراكه "ان هذه رؤية مشتركة لدى الاغلبية الساحقة من مواطنينا على اختلاف مستوياتهم وانتماءاتهم السياسية."

وفي سبيل ذلك، اكد الرئيس هادي أنه يعول كثيراً على أن يكون "الحوار الوطني الشامل هو الحامل لكل ما يريد شعبنا تحقيقه باعتبار ان الحوار يجب ان لايفسر بكونه ليس اكثر من تبادل افكار يقضي في النهاية الى ان كل طرف يحاول فرض مشروعه على الاخر، بل ان الغرض الاساس يتمثل بالوصول الى قناعات مشتركة حول ماهو البديل الافضل للبلد،" من خلال التوصل إلى "افكارٍ تقود لبناء وطن ودولة، لا سلطة وحكومة او حزبا." وأكد الرئيس بأن اليمنيين لا يملكون خياراً غيره على الرغم من المعوقات، رغم استمرار تخوف البعض من "الديمقراطية ولكن هذه الخشية لا يمكن السماح لها بان تقف في وجه الحل الوحيد الذي يضمن الخروج بالبلد من مرحلة التوافق الى مرحلة الاستقرار لانه وبدون تحقيق ذلك ستكون اعاقتنا دائمة."

ووعد الرئيس هادي في كلمته الشعب اليمني، بعد أن أكد اصراره على المضي في قيادة التغيير رغم المخاطر والمشاث، بالقول "وكل ما أعد به" إزاء كل "ما يمكن ان يؤدي الى تعطيل مسار التغيير"، أنه لن يلتزم إزاءه "امامه الصمت والحياد وبالذات في مسألة هي بالنسبة للبلد مسألة مصير،" مؤكداً على ماسبق أن عاهد الله والشعب بالمضي قدماً، وعدم الاستسلام وأنه سيستمر وسيواصل العمل "حتى يصل البلد الى الضفة الامنة، متحرراً من حمولات الماضي واثقاله وتبعاته وتأثيره شخوصا وافكارا، واعتبر نفسي ملزما اخلاقيا ودستوريا بالمضي فيما بدأت لان ما اقوم به هو تنفيذ لارادة الشعب الذي استمد منه القوة والعزم لاستكمال المقاصد التي ارتضاها الجميع فيما حوته بنود المبادرة الخليجية لإخراج اليمن من أزمته." معرباً عن التقدير لدور "المجتمع الإقليمي والدولي حق قدره في تحقيق هذا القدر مما تحقق من استقرار."

وبعد أن تعرض للإرهاب والتطرف والضربات الناجحة التي وجهت إلى القاعدة وأنصار الشريعة، أشار إلى أن هناك دعوات من بعض الدوائر لفتح حوار مع عناصر هذه الجماعات، أكد الرئيس هادي على أنه لا يمكن فتح أي حوار قبل أن "تعلن القاعدة عن موافقتها علي تسليم أسلحتها وإعلان توبتها من أفكارها المتطرفة البعيدة عن الإسلام وتخليها عن حماية العناصر المسلحة من خارج اليمن وبحيث يكون ذلك بمثابة فتح باب للحوار." ونوه إلى رفض هذه الشروط.

وعن مهمته في الفترة الانتقالية أكد الرئيس هادي أن "مهمتنا في الأساس سياسية تقتضي تهيئة الظروف التي من شأنها ان تتيح إنتقال آمن للسلطة ومن ثم التهيئة والتحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية إلا ان غاية مثل هذه ما كانت لتتم في ظل اقتصاد منهار وأمن منفلت ومجتمع مفكك ولذلك مشينا في المسارين السياسي والاقتصادي واعتبرنا أن كل منهما مكملا للأخر وبحيث يؤدي اختلال أي منهما إلي اختلال الأخر." وهو الأمر الذي "تحقق من خلال اجتماع مؤتمر المانحين وأصدقاء اليمن في الرياض ونيويورك " مشدداً على أهمية وضرورة استيعاب ابتعاد الوزراء "مربع السياسة وتفرغوا لأعمال وزاراتهم بعيدا عن مساندة أحزابهم بالمناكفات التي لا تساعد علي البناء بقدر ما تؤدي الي الهدم."

وهدد الرئيس هادي بأن "الشعب بعد كل ما عانى لا يحتاج الي حكومة حزبية وإنما لحكومة مهنية تعمل لأجله وتلبي احتياجاته في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية والذي لا يمكن العثور على حلول لها إلا عندما يلتزم الجميع بأن يكون الوطن والشعب مقدما على المصلحة الحزبية الشخصية،" وأنه من أجل ذلك "سيتم مراقبة اداء الحكومة وتقييم كل وزير ومسؤول وسيكون الحكم على الاداء والانجاز الذي حققه وليس بما اهدر به الوقت من تصريحات سياسية تضر اكثر مما تنفع ."

وحول التحديات الماثلة والمحاولات الهادفة "لاستعادة الصراع بطريقة او باخرى" أشار الرئيس بأنها ستظل باقية مادام من يقوم بذلك يرفض التخلص من "وَهمِ أن كل واحد منهم هو مركز الكون الذي لا تستقيم الحياة إلا بوجوده،" ناصحاً الجميع بأن يتركوا ورائهم الذكر الحسن وأن الخلود سيكون من حق "اولئك الذي يشمرون عن سواعدهم للبناء ويصنعون السلام ويقدمون مصلحة شعبهم ووطنهم على كل طموح ذاتي او سلطة فانية."

ودعى الرئيس هادي "كل من اضطرته الظروف للخروج من وطنه ان يعود للمشاركة في بنائه، اذا ليس هناك خط احمر ضد أي مواطن يمني مادام يحترم دستور البلد وقانونه." في إشارة واضحة إلى ضرورة وأهمية عودة كل القيادات اليمنية في الخارج!!!  

وفي الختام قال الرئيس هادي للشعب اليمني "لا يمكنني ان اكون الا بك ومعك حتى نثبت للعالم اجمع من اننا قادرون على تجاوز التحدي ومن اننا نستحق حياة افضل."

وفي التحليل النهائي أرى بأن فخامة الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، قد أوصل الرسائل الواضحة إلى الرئيس السابق وأعوانه بأن مسيرة التغيير ماضية نحو هدفها، وأن أية محاولات لعرقلتها مآلها الفشل، وإلى كل أطراف العمل السياسي بأن المسئولية جسيمة وتقتضي تضافر جهود الجميع لبناء اليمن الجديد الذي عجز كل الحكام السابقين في إنجاز بنائه، وتحقيق أهداف الثورة اليمنية في شمال الوطن وجنوبه، منوهاً إلى أن المشاريع القاصرة وأحلام الإرتداد إلى ما قبل الثورة هي مشاريع ستؤول إلى الفشل، وانه يجب على اليمنيين أن يعتبروا من ماضي التمزق والتشرذم والتقزم، لبناء يمن المستقبل الذي يجب أن يساهم فيه كل اليمنيين من خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي ننتظره، والذي يشكل فرصة تاريخية يجب على كل أطراف العمل السياسي اقتناصها، والاسهام الفاعل من خلال استيعاب مآسي الماضي التي لم تستثن أحد، ليتمكن اليمنيين من تحقيق مصالحة وطنية حقيقية تؤسس لوطن جديد يقوم على حكم القانون وسيادة الدستور وتساوي اليمنيين جميعاً أمام القانون، من خلال وضع دستور راسخ لا يمكن المساس به يضع أسس جديدة لتجاوز كل سلبيات الاستحواذ والاقصاء، ويوزع السلطات السياسية والإدارية، والثروة، كثرت أوقلت، توزيعاً عادلاً يقوم على أسس واضحة لا لبس فيها ولا تجعلها عرضة للالتباس والتأويل.

وفي سبيل الوصول إلى ذلك حذر الرئيس هادي الوزراء في الحكومة، بما لايدع مجال للشك، أنه لن يتردد في استبعاد وتغيير كل من لم يستوعب دوره في هذه المرحلة الحرجة الضرورية لاستكمال الانتقال السلمي للسلطة، ولايزال لم يرتقي بولائه ليكون للوطن.

وهنا، فإنني أذكر بما سبق أن قاله الرئيس فخامة الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية  في آخر لقاء له مع الحكومة ومجلس النواب والشورى، بأن على الجميع إعادة قراءة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وقرارات مجلس الأمن الدولي، لاستيعاب أن رئيس الجمهورية يمتلك قدراً كبيراً من الصلاحيات المنصوص عليها في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية.

وفي هذا الصدد، نذكر أن الآلية التنفيذية في المادة 14- في الفقرة 6 أن من صلاحيات نائب الرئيس، ومن ثم الرئيس بعد الانتخابات، ومن أجل تنفيذ الآلية، يمارس نائب الرئيس، ومن ثم الرئيس المنتخب، إضافة إلى الصلاحيات التي تخص منصبه، الصلاحيات الدستورية التالية:
.....
 6) إصدار المراسيم اللازمة لتنفيذ هذه الآلية.

وفي هذه الفقرة، لمن يريد ان يفهم، تفويضٌ مفتوحٌ بيد الرئيس استخدامه لإصدار أية مراسيم لازمة لتنفيذ الآلية، ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر مما يغفل عنه المعرقلون، أن من حق الرئيس، مثلاً تغيير وزراء، مثلما حدث في وزارتي النفط والتعليم العالي، أو إبقاء وزارات دون وزراء كما حدث عندما أراد تخلف وزير السياحة عن أداء اليمين الدستورية. بل أن بيده إعادة تشكيل حكومة، وهو ما أشار إليه في خطابه بشأن الحكومة التي يحتاجها الشعب. وأضيفُ لكم من الشعر بيتاً بأن أذكّر الجميع أن قرار مجلس الأمن 2015 (2012) أطلق استخدم تعبير "حكومة الوحدة الوطنية" بدلاً عن "حكومة الوفاق الوطني"، في إشارة إلى إمكانية تغيير الحكومة برمتها. كما أن بيد الرئيس إصدار أية قوانين أو إلغاء أية تتعارض أو تعيق الآلية التنفيذية، والحليم بالإشارة يفهم.

فهل يحتاج أحد إلى المزيد من الإيضاحات التي جاءت في هذا الخطاب الخطير للرئيس عبدربه منصور هادي!!!

No comments:

Post a Comment