Sunday 16 September 2012

مستقبل اليمن يحتاج إلى أكثر من وعود

مستقبل اليمن يحتاج إلى أكثر من وعود

وائل زكوت
مدير مكتب البنك الدولي
صنعاء

إنني في طريقي الآن إلى العاصمة السعودية الرياض لحضوراجتماع يعقد الأسبوع المقبل تُشارك فيه مجموعة  متنوعة من ممثلي الحكومات ومسؤولي منظمات التنمية العالمية. وسيركز الاجتماع على موضوع واحد وهو: مستقبل مستقر ومزدهر لليمن وسبل تحقيق ذلك.
يمثل هذا الإجتماع فرصة أمام قطاع كبير من المجتمع الدولي لكي يناقش مع الحكومةالانتقالية في اليمن التحديات العديدة التي تواجهها البلاد، ونوع الدعم المطلوبلاستعادة الخدمات الأساسية، وخلق الوظائف، ووضع الاقتصاد اليمني على مسارالنهوض من جديد.وكانالاتفاق، الذي تم برعاية مجلس التعاونالخليجي وبوساطة جيران اليمن والمجتمع الدولي، قد فتح الباب أمام العملية الإنتقالية الحالية لكنه عالج فقطالأبعاد السياسية للأزمة. إلا أن الحفاظ على زخم هذه العملية الانتقالية وصيانة مكاسبها سيتطلب تقديم دعم مالي وفني جدي لليمن على مدى السنوات القليلة القادمة. كما سيتعين على الحكومة اليمنية فيالوقت نفسه أن تتخذ خطوات جادة لتعزيز الحكم الرشيد والاضطلاع بالإصلاحات الضرورية لضمان القدر الأقصى من التأثيرللدعم المقدم.
يواجه اليمن تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة.  فأكثرمن نصف سكانه يعيشون على أقل من دولارين في اليوم فيما تزيد نسبة سوءالتغذية ما بين الأطفال ممن هم دون سن الخامسة على خمسين في المائة، وهي ثانيأعلى نسبة في العالم. هذا فيما تتفشى البطالة لتصل معدلاتها إلى 40 في المائة ما بين الشباب.  كما يصلمعدل المواليد السنوي إلى 3.1 في المائة، وهو أيضا من أعلى المعدلات فيالعالم مما يلقي بضغوط هائلة على كاهل الموارد الحكومية المحدودة أصلا للتوسعفي البنية الأساسية كالمدارس والخدمات الصحية.
وقد أعدت الحكومة الانتقالية خطة طموحة تضع أهدافا وأولويات محددة للعامين القادمين. وتصل الفجوة في الميزانية اللازمة لتنفيذ الخطة التي تغطي الفترة حتى عام 2016 إلى 11.9 مليار دولار، ليشمل ذلك 4.3 مليار على المدى القصير و 7.6 مليار على المدى المتوسط. من جانبنا، نأمل في جمع 6 مليارات دولار خلال مؤتمر المانحين لتغطية الفترة الانتقالية التي تستمر حتى عام 2014. وسنعقد مؤتمرا آخر للمانحين بعد عام 2014 لجمع الأموال الباقية الأخرى المطلوبة.
وسيتوقف التطبيق الناجح لخطة النهوض الاقتصادي على عوامل شتى.  ومن الأهمية بمكان أن يتحسن الوضع الأمني لتوفير بيئة مستقرة يتسنى خلالها تنفيذ المشاريع، لكن ذلك لا يعني حصرا أن تنتظر الحكومة إلى أن تصبح البلاد آمنة تماما قبل أن تمضي قدما في تطبيق الإصلاحات.  كما سيتعين أيضا إرساء الآليات المناسبة لتحقيق وإدارة برامج المانحين.  سيقتضي هذا توظيف الشخص المناسب في المكان المناسب على أساس المهارات والمؤهلات وليس على أساس العلاقات السياسية.   وسيحتاج كل هذا إلى أن يُدعم بجهود جدية لمحاربة الفساد وتعزيز الحكم الرشيد.  وسيضطلع القطاع الخاص بدور هام وسيحتاج إلى التشجيع بتوفير البيئة الملائمة للنشاط والتي تشمل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإقامة مناطق اقتصادية خاصة، وتحسين أساليب المساندة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.   وينطبق ذلك على المجتمع المدني الذي ينبغي التواصل معه كشريك مهم في العملية الانتقالية.
وقد علمتنا تجربتنا في مؤتمر المانحين عام 2006 أنه رغم أهمية الوعود المالية إلا أن الأهم من ذلك بكثير وفاء المجتمع الدولي بها وتنفيذ الحكومة للبرامج التي تمولها بطريقة فعالة وشفافة. ولذا فإننا سنتوصل هذه المرة إلى اتفاق يحدد بوضوح التزام الحكومة الانتقالية بتعزيز الحكم الرشيد والتزامها بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، واضطلاعها بالإصلاحات الضرورية، ووضع آليات فعالة للبرامج التي يساندها المانحون.  في الوقت ذاته سيؤكد ذلك على دعم المجتمع الدولي للحكومة الانتقالية مع الوفاء بكافة الوعود في موعدها، وتقديم الدعم الفني اللازم لتصميم وتنفيذ المشاريع.  
سيكون هذا الإتفاق أكثر من مجرد مصافحة بالأيدي. فسيتم تدوين جميع بنوده في وثيقة مفصلة تسمى إطار المساءلة المتبادلة وسيتم إقراره رسميا من قبل الحكومة الانتقالية والمجتمع الدولي. كما ستوضع آليات مراجعة لمراقبة الوفاء بالإلتزامات التي سيقرها الطرفان.
وبالإضافة إلى مناقشة إطار المساءلة المتبادلة وإقراره، ستكون هناك جلسات حول الأزمة الإنسانية ودور القطاع الخاص والمجتمع المدني في الانتقال السياسي والنهوض الاقتصادي. وستؤكد هذه الجلسات على إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني، وستتيح لهما فرصة للمساهمة في النقاش حول مستقبل اليمن، وطرح آراء عن أولويات المرحلة في وقت تواجه فيه البلاد العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية.  ونظرا للقيود المفروضة على عدد منظمات المجتمع المدني التي بإمكانها السفر إلى الرياض،  فقد شجعنا كافة المنظمات على عقد اجتماع شامل في صنعاء للاتفاق على رسالة توجه إلى مؤتمر المانحين.
كما سيعلن المانحون خلال مؤتمر الرياض عن المساعدات المالية التي سيقدمها كل منهم لليمن.  وقد أعلنت السعودية بالفعل عن المساهمة بسخاء وتقديم 3.25 مليار دولار، وآمل في أن تكون مساهمات أعضاء مجموعة أصدقاء اليمن على نفس القدر من السخاء.
وهذا ليس من قبيل الإحسان، لكنه بالأحرى دعم مهم للشعب اليمني خلال هذه الفترة الحرجة. وإذا نجحت العملية الإنتقالية في اليمن، فذلك لن يعود بالنفع والإفادة على الشعب اليمني فحسب، بل سيساهم أيضا في الاستقرار الإقليمي ويضمن سلامة ممرات التجارة العالمية.
المخاطر كبيرة ومحدقة، وسيكون لأي إخفاق مهما كانت درجته عواقب سلبية ووخيمة على المنطقة، وربما على العالم ... فضلا عن أنه سيكون بمثابة كارثة على الشعب اليمني.
وختاما، أود أن أقول للشعب اليمني: أنتم لستم وحدكم. فقد أطلق هذا الشعب ثورته طلبا لحياة أفضل وحكومة أكثر خضوعا للمساءلة.وقد اتخذت القيادة الجديدة خطوات جريئة على الصعيدين السياسي والأمني وهو ما بدأ يؤتي أكله. وهي تحتاج إلى مضاهاة ذلك بخطوات جريئة نحو إصلاحات إقتصادية، وتعزيز الحكم الرشيد، والشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.  
لا أعتقد أن ثمة خيارات أخرى أمام الحكومة. فالناس لايكترثون بتغيير الوجوه في مناصب القيادة بقدر ما يهتمون بتحسين حياتهم والشعور بالأمل في مستقبل أفضل. ولن تُكلل العملية الإنتقالية بالنجاح إلا إذا أيقن الناس أن الغد أفضل من الأمس.

No comments:

Post a Comment